في بداية سنة 2019 كتبت مقالا بعنوان "في هذه السنة الجديدة 2019 نحن لا نحتاج للمزيد من الأشياء نحن بحاجة إلى المزيد من الحب" وقد تكلمت فيه كيف أن الكثير منا لم يعد يهتمون للآخرين وكل مايهمهم هو أنفسهم لا غير, نتخاصم لأسباب تافهة, تغرنا الماديات و تجرنا الشهوات, وفي النهاية نصبح أقل تواصلا, كيف أننا يجب أن نكف عن إعطاء المزيد من الأشياء أو أن ندخل المصالح الشخصية في أقوى علاقاتنا، وبدلاً من ذلك نعطي بعضنا المزيد من الحب, لم يكن هذا مجرد مقال بل كان فكرة شخصية قمت ببنائها داخل رأسي وسمحت لي هذه الفكرة بتحديد علاقاتي بالكثير من الأشخاص, تحديد أولوياتي, وتحديد ما يجب إعطائه في علاقة ما حب, أو إبتسامة, كلمة طيبة أو تصرف إيجابي, هذه الفكرة سمحت لي بأن أكتب الفكرة التي يتحدثها عليها هذا المقال وهي الإستقلال الفكري, لهذا في كل رأس سنة قررت أن أكتب مقالا بهكذا عنوان بتغيير رقم السنة وبطرح فكرة جديدة, أتمنى أن تقرأ المقال جيدا, وإن كنت ترى بأن هناك فكرة يجب تصحيحها أرجوا أن تكتب لي رأيك في تعليق أسفل هذا المقال.
عندما تبدأ يومك ، هل تفكر في ما تحتاج إلى إنجازه اليوم، أم أنك تركز فقط على ما يفعله الآخرون؟ إذا كنت تشعر بأن عملية تفكيرك أصبحت تعتمد على تصرفات الآخرين، فيجب أن تعلم أنك شخص غير مستقل فكريا, إعتماد يومك على شخص ما قد يجعل يومك فاشلا, تخيل أنك لا تستطيع البدأ في عمل أو فكرة ما حتى يأتي شخص آخر, ثم لا يأتي, تتصل به ثم تجده قد أغلق هاتفه عليك, هذه الأمور تحدث كثيرا, ستكون بهذا قد ضيعت وقتك وضيعت يومك كذلك وهذا مجرد مثال فقط والأمثلة كثيرة.
بغض النظر عن انتمائك السياسي وبغض النظر عن العرق أو التربية أو الثقافة أو أي شيء آخر. إنه الإختبار الحقيقي لقدرة عقلك على التفكير بحرية دون قيود, وهذا هو بالتحديد ما يفتقر إليه المجتمع الحديث ، وربما معظم المجتمعات وليس فقط مجتمعنا العربي.
هناك مشكلتين لاحظتهما في المجتمع, المشكلة الأولى هو بلوغ شخص ما لسن يفوق 20 سنة دون أن يكون قادرا على إتخاذ قرارات حرة أي أنه لا يكون مستقلا فكريا ودائما يسمح للأب أو أي شخص آخر في التحكم في قراراته, المشكلة الثانية هو أن أفراد العائلة سواء الأب, الأم, الأخ أو الخال أو العم أو أي شخص من الأقارب يفرض تحكمه في أغلب قراراتك, أو أنه حتى لا يتدخل في تصحيح أخطائك.
بالنسبة للمشكلة الأولى فالسبب الرئيسي برأيي هو جهل الإنسان و عدم معرفته أصلا بمعنى الإستقلال الفكري, شخص في سن العشرين لايمكنه صنع قرارات شخصية يعني بأنه ما زال طفلا صغيرا يحتاج للرعاية, الفرق الأساسي بين طفل صغير و شخص راشد هو في القدرة على الإستقلال الذاتي ولنترك الإستقلال المادي جانبا, عندما تكون منصاعا للأوامر بشكل تام أو بشكل شبه تام كأن تكون خائفا من صنع قرارا بسبب غضب أبيك أو أي شيئ مشابه لهذا في سن من المفترض فيها أن تكون واعيا وتملك عقلا يمكنه أن يحدد الصواب من الخطأ هو أمر كارثي حقا, الواقعية والمنطقية لن تكون موجودة لديك لأنك ببساطة تفكر باستعمال عقل شخص آخر, فكر في الأمر مليا, أنت تمتلك رأسا ودماغا لكنك لا تستعملهم وبدل ذلك أنت تأخذ الأفكار من دماغ شخص آخر, هذا بالتحديد ما يحدث, أنت تعيش حياة ليست ملكك بل حياة يصنعها أبوك كمثال وبالتالي عليك أن تفكرك بأن إحتمالية أن تصبح مثل أبيك كبيرة للغاية, إحتمالية أن لاتكتشف أمورا جديدة أو تجرب أشياء مختلفة كبيرة للغاية, وبهذا تصبح شخصا لا يمكنه أن يصنع مشروعا خاصا, ولا يمكنه حتى أن يضمن بأن أولاده لن يكونو نسخا في هذا المجتمع, تداعيات الأمر تذهب لجانب آخر لأن بعض الأشخاص عندما يقرأون هذا يكون تفكيرهم محدودا, ماذا لو كان الأمر متعلقا برئيس البلاد أو أي شخص مسؤول على مجموعة من الأفراد, خاصة إن كان هذا الشخص فاسدا, من المعروف بأن المسؤول يملك صلاحيات للتحكم أكبر من أي شخص آخر وتختلف هذه الصلاحيات حسب المركز الذي يعمل فيه هذا المسؤول, سيكون المجتمع الذي يحكمه هذا المسؤول مثل الإبن الذي يحكمه أبوه, فإن كان المسؤول فاسدا فالمجتمع سيكون فاسدا إلا إذا صنع هذا المجتمع إستقلالا فكريا وأكبر مثال على هذا هو الحراك الجزائري.
بالنسبة للمشكلة الثانية والتي تعني تدخل الأقارب في قراراتك, فهذا بالتأكيد أمر شائع ولكنه حقيقة يعتمد عليك, يجب على الأقارب أن يعوا بشكل جيد ما معنى الدعم وأن يكونوا حريصين على دعم أفكار أفراد العائلة بشرط أن تكون هذه الأفكار عقلانية وسليمة, السبب الرئيسي لدوران المجتمع في حلقات مفرغة هي تربية نسخ من الأشخاص وعدم فسح المجال لهم للتفكير بشكل مستقل وبهذا تكون الأفكار الجديدة والمشاريع المستقلة أمرا نادرا في المجتمع, على الأقارب أن يفهموا بأن التوبيخ لن يجلب نتائج عظيمة لكن عندما نمسك بشخص ما ونقوم بمناقشته ونحدد له لماذا هذا الأمر خاطئ وماكان يجب عليه فعله في هذا الموقف وبإعطاء أفكار جديدة سوف ينشئ فكر جديد ويصبح الفرد حينها أكثر وعيا وأكثر معرفة ومع الوقت سيكون في رأس هذا الفرد مجموعة من الأفكار تمكنه من الإستقلال فكريا.
الإستقلال فكريا أمر راجع إليك حتى وإن لم يكن هذا الفكر منتشرا في عائلتك فيمكنك من خلال قراءة تجارب الأخرين وإستنتاج الأفكار والإطلاع على الكتب أن تبني فلسفتك الخاصة في هذه الحياة, وتكون شخصا مختلفا عن بقية أفراد أسرتك أو حتى أفراد مجتمعك, شخصا لا يقبل الفكرة هكذا فقط بل يدخلها لدماغه ويقوم بتحليلها ويخرج بقرار واقعي ومنطقي يناسب ما حوله.
فلسفة الإستقلال الفكري هي أشبه بالعمود الفقري للبقاء الثقافي وتنوعه وهو كذلك سبب رئيسي للشعور بالإكتفاء الذاتي وعدم مقارنة حياتك بحياة الآخرين, أن تكون شخصا ذا حكم ذاتي سيغير حياتك نحو الأفضل, وسيؤدي إلى رؤية أشياء لا يمكن للآخرين رؤيتها, ستسمح لك الفرصة بالتعرف إلى أشياء جديدة والحصول على تجارب لم يجربها من حولك, سوف يساعدك الإستقلال الفكري في تقديم حجج أقوى واصطياد الحجج الأضعف. علاوة على ذلك ، يمكن أن يجعلك أيضًا شخصًا أكثر أمانًا من الناحية الذهنية, شخصا مرتاحا داخل رأسه.
الإستقلال الفكري سوف يجنبك الاعتماد على العاطفة ويجنبك ربط أفكارك وأفعالك بأشخاص آخرين, وستصبح شيئا فشيئا شخصا حرا, شخصا يمكنه أن يكون صادقا ومحايدا وواقعيا, ومن خلال توصيل هذه الأفكار الجديدة إلى الآخرين ، سنتمكن جميعًا من مكافحة النسخ التي يصنعها المجتمع.
لهذا في هذه السنة الجديدة 2020 نحن بحاجة لأن نكون أشخاصا مستقلين فكريا, أشخاصا لا يتقبلون الأفكار بدون تحليلها, أشخاص قادرين على إختيار أفضل الأقرارات وأقربها منطقية وواقعية, لهذا في هذه السنة الجديدة دع عقلك يقرر ولا تدع عقول الآخرين تقرر بدلا منك, وبالتأكيد هناك أفكار لا تحتاج لتضييع الوقت أفكار تم تجربتها من قبل أشخاص آخرين يمكنك أن تستدل بها, أتمنى لكم سنة جديدة أفضل, طابت أوقاتكم بكل خير.
موهوب وتبدع كعادتك..بالتوفيق 😊😇
ردحذف