Navigation

مُحَاصَرُونْ.. الأشياء التي حصرت إهتماماتنا وقضت على أسلوب حياتنا

عندما يقتنع مجتمع بأكمله بأن العلم ليس إلا وسيلة لكسب المال, وعندما لا يفهم أغلب المجتمع بأن الفلسفة والفن شيء مهم في هذه الحياة ينشأ بشكل تدريجي جيل يدور في حلقة مفرغة, جيل لايحتاج للحرية ويتواءم طوعا مع الإستبداد, يمكن ملاحظة هذا الشيء فيما يعيشه المواطن هذه الأيام حيث تنحصر اهتماماته في بضعة أشياء فقط من بينها توفير لقمة العيش, الدراسة, الدين وفيسبوك
الأشياء التي حصرت إهتماماتنا وقضت على أسلوب حياتنا

عندما يقتنع مجتمع بأكمله بأن العلم ليس إلا وسيلة لكسب المال, وعندما لا يفهم أغلب المجتمع بأن الفلسفة والفن شيء مهم في هذه الحياة ينشأ بشكل تدريجي جيل يدور في حلقة مفرغة, جيل لايحتاج للحرية ويتواءم طوعا مع الإستبداد, يمكن ملاحظة هذا الشيء فيما يعيشه المواطن هذه الأيام حيث تنحصر اهتماماته في بضعة أشياء فقط  من بينها توفير لقمة العيش, الدراسة, الدين وفيسبوك.

لقمة العيش.. هذه الدائرة المفرغة التي أكلت العقول, إن توفير لقمة العيش يبدو أمرا صعبا لأنه يأكل أغلب وقت الناس هنا, لقد طالت يد هذا التفكير أمورا عديدة بما في ذلك الإنسانية وحتى علاقات الناس فيما بينها, أصبح الأشخاص عبارة عن عبيد للنقود حيث يقضون أغلب أوقاتهم في العمل, حتى أوقات الراحة يستغلونها بالتفكير في المال, علاقات الأشخاص تدمرت بفعل المصلحة والمادية, حتى الأشياء التي كان على الكبار تعليمها للصغار تهشمت إثر الإنشغال بأشياء أخرى أقل أهمية وأقل أولوية.

الأشخاص حاليا لايهمهم حقوقهم السياسية ولاتهمهم حريتهم بل مايهمهم هو العمل من أجل تكوين أسرة وتربية الأولاد حتى يكبروا وحين يحصل ذلك هم يهتمون بزواجهم وعندما يستفيقون يجدون بأنهم وصلوا إلى سن الشيخوخة ويجدون بأن أولادهم قد كبروا ليفعلوا نفس الأشياء, مجتمعنا محاصر حقا, يمكنك ملاحظة مايقوم به الآباء في هذا المجتمع, العمل هو مايأكل جل وقتهم ولايجدون حتى لحظات للجلوس مع أبنائهم إنهم يمنحون الأموال دورا كبيرا في تربية أبنائهم بدل أن يكون لها دور في الرعاية فقط, الخلط بين هاته الأمور أو عدم العلم بها إطلاقا يؤدي بشكل حتمي إلى فشل التربية التي تعتبر هدفا رئيسيا من كل هذا, السعي وراء توفير لقمة العيش إلى هذا الحد سيضع حدا لكثير من الأمور من بينها الوقت الذي بين يديك, إذا كنت ستقضي معضم وقتك في شيء واحد وهو توفير لقمة العيش فسيكون وقتك الباقي محدودا ولربما غير كاف من أجل القيام بأشياء أهم من لقمة العيش فلسفيا ومنطقيا.

مع كل احترامي لسلالتنا البشرية ومع كل احترامي لجوهر الإنسانية فهذا الشيء هو أشبه بتقمصٍ لسلوكيات الحيوان, مع العلم أن معضم الأهداف التي يسعى إليها الحيوان في يومه هو توفير لقمة العيش لنفسه ولأولاده وحمايتهم فما هو الفرق الذي يجب أن يكون بين سلالتنا البشرية و سلوكيات الحيوان, هنا يجب على العقل أن يتقمص دوره, الحياة ليست مالا فقط, التربية ليست بجلب الأموال, صحيح أن الرعاية تحتاج للمال, لكن التربية تحتاج إلى الوقت والوقت يتم هدمه في توفير لقمة العيش, هناك بعض الأشخاص الذين يعتقدون بأن الأمر متناقض لأنه بدون مال لايمكن العيش, لكن ليس لهذه الدرجة فكر جيدا, أنظر إلى مجتمعنا حاليا, أنظر إلى علاقات الناس, أنظر حولك, الأموال غيرتنا يا صديقي, علاقاتنا أصبحت كلها مصالح, مادية في أغلبها, الأموال استولت على مشاعرنا, إذا كنت تعتقد بأن توفير لقمة العيش هو شيء أساسي فهذا يعني بأنك راض على الحالة التي وصل إليها مجتمعنا حاليا لأنه حقيقة يتم تخصيص حوالي 50% من يومنا في هذا الشيء وإذا كان النوم سيستغرق 8 ساعات فالوقت المتبقي هو 4 ساعات فقط, وإن احتسبت وقت أكلك والدين وغيرها من الأمور فستجد بان حريتك لا تتجاوز 1 في المئة.

الهدف الكبير الذي يسعى له أي والد هو تعليم أبناءه, يُحصر هذا التعليم في كلمة الدراسة, يُعتقد بأن الدراسة هي كل شيء, والدراسة هنا تعني الذهاب للمدارس في حين أنهم ينسون بأنه يجب أن تكون هناك حياة خارج المدارس, حياة خارج الدراسة, لايمكنك قضاء معضم وقتك في الدراسة لأن الأمر هكذا سيصبح مملا للغاية, سيكره الأشخاص الدراسة مثلما يفعلون حاليا والسبب هو الأفكار التي صنعها مجتمعنا حول التعليم, أغلب هذه الأفكار تقول بأنه عليك أن تذاكر كثيرا لكي تنجح وتجد وظيفة وأنه عليك أن تدخل الطب أو الصيدلة أو الهندسة لكي يحترمك الآخرون, يمنعونك من الرياضة ويأمرونك بأن تَدرس, يخبرونك بأن الفن مضيعة للوقت وبأنك يجب أن تدرس بدل هذا, يمنعونك من الرحلات بسبب الدراسة لتصبح في نهاية الأمر شخصا يكره الدراسة وتكتشف في النهاية بأن دماغك قد تم حشوه بمعتقدات خاطئة وبأن التعليم الذي أعطوه لك كان أكبر مقلب في حياتك, الشيء الصحيح الذي يجب على كل واحد منا أن يفهمه هو أن إكتساب حياة خارج الدراسة أمر مهم جدا لكي لاتصاب بالملل ولكي لاتكره الدراسة في حد ذاتها, الحياة ليست محصورة في الدراسة فقط, توجد أشياء أخرى يجب أن نهتم بها, هواياتك, رحلاتك, الرياضة وغيرها من الأشياء مهمة أيضا وإلا فإننا سنحصل على مجتمع مدمر للغاية.

بالنسبة إلى الدين, فالأمر كارثي هنا, هناك فئة قليلة جدا تفهم ما هو الدين حقا في حين أن الغالبية الأخرى منقسمة على آخرها, البعض يعرف الدين لكن ليست له علاقة به أي أنه لايمارس منه شيئا, وهناك من يدعي التدين لكنه يُفَّرِطُ في نصفه, بينما هناك المتدين حقا لكنه يحمل أفكارا خاطئة حوله فتجد بأنه يطبقه بطريقة خاطئة على سبيل المثال لا الحصر.

الدين عند أغلب الأشخاص هنا منحصر في الصلاة والصوم والزكاة لاغير عند البعض هكذا وعند البعض الآخر أقل من هذا, مايهم أن الدين أصبح في أغلبه آداءً لبعض الطقوس واستيفاءٌ للشكل حتى أنه في بعض الأحيان حالة لإرضاء النفوس, الدين كفكرة داخل دماغ شخص في مجتمعنا أصبح محدودا بشكل كبير حيث أن هذا الدين أصبح أساسيا في أشياء بينما هو غير أساسي في أشياء أخرى, كمثال لتفهم, الأشخاص الذين يقلقون إن فاتهم وقت الصلاة تجد بأن ممارسة الرشوة والنفاق أمر عادي عندهم, هؤلاء الأشخاص صادفتهم كثيرا ويدعون بان جميع من في المجتمع يفعل هذا.

بعض الفئات من الأشخاص الذين يستشيطون غضبا من زواج المثليين ويعتبرون بأن هذا الأمر ضد معتقداتهم الدينية تجدهم يشجعون الفساد في بلادهم أو يتغاضون عنه, بدل الإستشاطة غضبا من الفساد داخل بلادك أنت تذهب لبلدان الآخرين لتستشيط غضبا وفي حقيقة الأمر أنت لا دخل لك في هذا, مادام أنك لم تنهى عن المنكر أمامك فمن المستحيل أن تنهى عنه في بلاد تختلف عنك فكريا ودينيا وثقافيا.

من الغريب أن تعتنق دينا ثم تبدأ في التعديل في أغلب أفكاره, المنطقي هنا أن تُنشأ دينا آخر فهذا أسهل, من الغريب أيضا أن تعتنق دينا ثم تطبق نصفه وتترك نصفه, الأصح هنا أن لا تعتنق هذا الدين أصلا, من الغريب أيضا أن تجهر بشيء في حين أنك تفعل شيئا مخالفا هذا نفاق الأصح أن تترك هذا النفاق وتطبق ماتقوله, إن حقيقة الدين مرتبطة بشكل وثيق مع مايعيشه الناس في كل جوانب الحياة حتى مع السلوكيات, أفكار الدين تأمرنا بشيء في حين أننا نفعل أشياء أخرى والأمر المحير أننا نعتنق هذا الدين ثم نطبق أفكارا متناقضة معه أفكارا هو تحديدا يمنعها, والأمر المحير أكثر هو أننا لايمكننا الوصول لحل تطبيقي لكل هذه المشكال التي نعانيها بالرغم من أن الحلول تبدو سهلة لكن مع أفكار المجتمع يصبح الأمر صعبا جدا, يبدو بأن المعجزة تكمن في إنفجار فكري يطال المجتمع بأكمله.

بالنسبة إلى فيسبوك, هذا الشيء غير مسالم بتاتا والمشكل كالعادة في الأفكار التي يهدف إليها, مع توظيف مهندسين مختصين سيبدو الأمر خطيرا جدا حين يتعلق الأمر بتحقيق أهداف خاصة على حساب سلالة بشرية بأكملها, في فيسبوك بدل أن يتم دراسة المجتمع من أجل تحسينه, يتم دراسة المجتمع من أجل تحقيق أهداف خاصة, جعل المستخدم يمكث لأكبر وقت ممكن داخل هذا الموقع بدون مراعاة أهمية وقته, و محاولة استغلال معلومات المستخدمين في الأفعال اللاإنسانية, وجعل الصفحة الرئيسية هدفا ربحيا وغيرها من الأمور شيء مؤسف للغاية, والقول بأن الأمر مؤسف للغاية سببه هو أن فيسبوك تغير وأصبح شريرا, ففي بداياته لم تكن أهدافه شريرة إطلاقا بل كانت تهدف لربط الناس بين بعضها وتسهيل التواصل بينهم.

هذا الأمر بأكمله لم ينتبه له الشعب بتاتا, حتى وإن انتبه إليه فهناك أشخاص يتم توظيفهم خصيصا لجعلك مدمنا, يمكنك ملاحظة الأمر بشكل سهل, لايمكنك التخلي عن فيسبوك الآن أليس كذلك؟ هذا القيد الذي ظهر في حياتنا حصرها هو الآخر, وقتنا الذي نقضيه في هذا الموقع طال كل شيء, العمل, الدين, الدراسة, علاقاتنا مع الأشخاص وغيرها, عملية الإلهاء هاته جعلتنا نتغاضى عن بعض الأشياء المهمة جدا من أجل النزول والصعود في الصفحة الرئيسية ومن أجل متابعة التعليقات والرد عليها, وصنع نوع من الرضى داخل هذه الشبكة الإجتماعية, ماتبقى من يوم عملك أو يوم دراستك وحتى من طقوسك الدينية سوف ينفذ طوعا في فيسبوك, الجلوس مع عائلتك ذهب هبائا, الخروج مع أصدقائك كذلك, ممارسة الرياضة ليست مهمة كفيسبوك وغيرها من الأشياء, إن لفت الإنتباه إلى تأثير فيسبوك على حياتك ليس بالأمر الصعب لكن الأمر الصعب هو التخلص من إدمانك عليه.

محاصرون نحن, محاصرون كما يحدث في بعض أحلامنا, محاصرون حقيقة حتى بأفكارنا, أشياء تسحبنا ونعتقد بأنها تحتضننا وعندما نكبر تشتد علينا لتعصرنا, تعصرنا ألما وحصرة على ما فاتنا وعلى ما أصبحنا عليه, لست المذنب الوحيد في هذا الأمر, فلا أحد نبهك من كل هذا ولا حتى حواسك, حتى عقلك لم يستطع أن يفعل هذا, كبار السن لايتدخلون, لأنهم مستمرون في فعل مايفعلونه, مستمرون في فعل الأمور بشكل خاطئ أو أنهم مستمرون لأنهم لايعرفون بأنهم مخطئون, حدّثوا من حولكم عن الحقيقة, أقنعوهم بأن مايحدث مأساة, جهزوا كتيب تعليمات لأبنائكم فالأمر لم يعد سهلا كما تعتقدون, لا تعلموهم بأن المجتمع وحش بل أخبروهم بأن المجتمع ضحية, أخبروا من حولكم بأنهم مهمون بالنسبة إليكم سواء كانوا عاديين أو ناجحين أو حتى مرضى بالسرطان, أخبروهم بأن الأفكار الخاطئة هي أكبر وباء يمكن أن ينهش حياتنا, أخبروا الآخرين الحقيقة حين تتأكدون من أن ماحصلتم عليه هو الحقيقة كاملة.
مشاركة

أضف تعليق:

4 comments:

  1. ما شاء الله مقال يحمل معاني متعددة ومضمونه جوهري حقا
    محاصرون حقا وأضن أن الكثير يعي ما ورد في هذا المقال لكن يعجز عن الحراك...

    ردحذف
    الردود
    1. مثلما يقول المثل "يد واحدة لاتصفق", معضم الأشخاص لايحبون الحقيقة لهذا عندما تخبر الآخرين عن هذا يقومون بالسخرية منك والمشكل دائما مشكل أفكار لاغير

      حذف
  2. ليت كل الاولياء يقرءون هذا المقال ويفهمون مضمونه بشكل صحيح
    مقال هادف جدا شكرا

    ردحذف
  3. ليس الأولياء فقط، حتى من سيصبحون آباء وأمهات مستقبلا، ليتهم يغيرون أفكار الاجيال القادمة

    ردحذف