Navigation

الخصوصية وحرية الإنترنت وتجسس الحكومات

الخصوصية جوهرية بالنسبة لحرية الإنسان وسعادته لأسباب نادرا ماتناقش لكنها مفهومة تلقائيا من قبل معظم الناس, وخير دليل مايفعلونه لحماية خصوصياتهم, فالناس يغيرون سلوكهم جذريا عندما يعلمون أنهم مراقبون, حيث يفعلون مايتوقع الآخرون منهم فعله, تفاديا للعار والإدانة ويفعلون ذلك عبر الالتزام بقوة بالممارسات الاجتماعية المقبولة بالبقاء ضمن الحدود المفروضة
الخصوصية وحرية الإنترنت وتجسس الحكومات

الخصوصية جوهرية بالنسبة لحرية الإنسان وسعادته لأسباب نادرا ماتناقش لكنها مفهومة تلقائيا من قبل معظم الناس, وخير دليل مايفعلونه لحماية خصوصياتهم, فالناس يغيرون سلوكهم جذريا عندما يعلمون أنهم مراقبون, حيث يفعلون مايتوقع الآخرون منهم فعله, تفاديا للعار والإدانة ويفعلون ذلك عبر الالتزام بقوة بالممارسات الاجتماعية المقبولة بالبقاء ضمن الحدود المفروضة, متجنبين أي فعل يمكن أن يرى على أنه منحرف أو شاذ, وعلى هذا الأساس فإن مجموعة الخيارات التي يراعيها الناس عندما يعتقدون أن الآخرين يراقبونهم تكون أكثر تقيدا بما لايقاس مما يمكن أن تكون عليه عندما يتصرفون في عالم خاص, إن الحرمان من الخصوصية يؤدي إلى تقييد حرية المرء في الاختيار .

أهمية الخصوصية واضحة في حقيقة الجميع, حتى أولئك الذين يقللون من قيمتها والذين يقولون إنها ميتة أو يمكن الاستغناء عنها لايصدقون فعلا مايقولونه, غالبا مايقوم المناصرون لنبذ الخصوصية بأشياء متطرفة من أجل الحفاظ على تحكمهم بقابلية تصرفاتهم ومعلوماتهم لكي تكون مرئية, حتى من ينتهكون الخصوصية يستخدمون إجراءات غير عادية لحجب أفعالهم عن عيون الناس مشيدين جدارا من السرية كي يعملوا خلفه, والتناقض نفسه يعبر عنه الكثير من المواطنين العاديين الذين يقللون من قيمة الخصوصية, لكنهم في الوقت عينه يملكون كلمات سر لبريدهم الإلكتروني وحساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي, إنهم يضعون أقفالا على أبواب غرف نومهم, ويقدمون في الخفاء على فعل أشياء لايفكرون في فعلها في العلن, ويفصحون لأصدقائهم وأطبائهم ومحاميهم عن أشياء لايريدون لأي شخص آخر أن يعلم بشأنها.

إن إثارة جدل عالمي حول الخصوصية وحرية الإنترنت ومخاطر المراقبة الحكومية لن يكون مفهوما للكثرين في البداية, ولعل تطور التكنولوجيا و استعمال أساليب فائقة الذكاء في التجسس لن تصدق من قبل أشخاص عاديين لأنهم ببساطة لم يشاهدوا مثل هاته الأشياء إلا في الأفلام الخيالية, بالرغم من هذا وصل بنا الحد في هذه السنوات الأخيرة الى اكتشاف الكثير من الأشياء حول الخصوصية, من أبسط هاته الأشياء أن معظم الناس أصبحوا يعرفون ما يعنيه مصطلح خصوصية وما معنى حرية الإنترنت, لقد تبلور فكر الناس في الكثير من البلدان إلى درجة مكنت أبسط الناس من المشاركة في استطلاعات الرأي حول انتهاكات الخصوصية و مراقبات الحكومة, لقد أصبح العالم اليوم على دراية بما تقوم به الحكومة من عمليات مراقبة لم يعد خفيا اليوم بأن التجسس على حسابات فيسبوك ممكن ولم يبقى ذلك الحجم من الجهل الذي يعمي أبصار الناس عن الواقع .

عندما نعتقد أنه ليس هناك من يراقبنا نشعر حينئذ فقط بالحرية والأمان لممارسة التجربة حقا, ولاختبار الحدود ولاستكشاف طرق جديدة في التفكير والعيش, ولاستكشاف مايعنيه أن نكون على حقيقتنا, وهذا هو ماجعل الإنترنت مرغوبا وجذابا لأنه أتاح إمكانية التحدث والتصرف بطريقة مجهولة, وهذا جوهري للغاية من أجل الاستكشاف الشخصي, ولهذا السبب ينمو في عالم الخصوصية ويتطور الابداع والمعارضة وتحدي العادات السائدة, إن المجتمع الذي يعرف فيه الجميع أنهم قد يكونون مراقبين من قبل الحكومة هو المجتمع الذي تضيع فيه هذه المزايا, على المستويين الاجتماعي والشخصي معا. وعلى هذا الأساس, المراقبة الجماعية من قبل الحكومة قمعية بطبيعتها, حتى في الحالة المستبعدة بألا يساء استخدامها من قبل مسؤولين مؤذين عبر الحصول على معلومات خاصة تتعلق بمنافسييهم السياسيين, على سبيل المثال القيود التي تفرضها المراقبة على الحرية هي أساسية بالنسبة لوجودها لكن يجب النظر في كيفية إستخدامها.

إن الأشياء التي ذكرناها حول المراقبة كانت في معضمها أشياء سيئة هذا سيكون نظرة سلبية حول المراقبة فهي ليست سيئة في جميع الحالات ففي بعضها يمكن للمراقبة أن تشجع على ما قد يعتبره البعض السلوك المرغوب, فقد وجدت دراسة أن الشغب في الملاعب – رمي المشجعين للزجاجات وغيرها على أرض الملعب – ينخفض بعد وضع كاميرات أمنية, كما أن ارشادات الصحة العامة فيما يتعلق بغسل اليدين أكدت مرارا أن احتمال غسل المرء ليده يزداد بوضع شخص ما بالقرب منه .

لقد فهم الشعب الأدوار الرئيسية للعديد من الحكومات في قمع حرية الشعب بمن في ذلك الحكومة الأمريكية التي تعتبر عنصرا رئيسيا في عمليات المراقبة والتجسس, وتقدم مثل هاته الحكومات حجة واحدة دفاعا عن المراقبة الجماعية, وهي أنها تطبق فقط من أجل الإرهاب والحفاظ على الناس آمنين, لكن الناس اليوم أصبحوا أكثر وعيا من أي وقت مضى, سهولة الكذب لم تعد متاحة مثل السابق, فاعتراض اتصالات شركة النفط البرازيلية العملاقة بيتروبراس, أو التجسس على جلسات مفاوضات في قمة اقتصادية, أو استهداف قادة منتخبين ديموقراطيا لدولة حليفة, أو كل سجلات اتصالات الناس, كل هذا ليس له علاقة بالإرهاب واستنادا للمراقبة الحقيقية التي تقوم بها NSA على سبيل المثال لا الحصر, عرف الشعب الآن بأن منع الارهاب مجرد ذريعة .

سبل استرداد الخصوصية على الإنترنت تصبح ضيقة كلما تطورت أساليب التجسس, لذلك طور بعض الأشخاص أيضا أنفسهم من أجل التأقلم مع أوضاع التجسس الجديدة وأصبح بالإمكان استعمال بعض برامج التشفير التي لايمكن إختراقها من أجل التواصل, مثل هذا الأمر يمكن أن يعطيك نظرة حول تبلور فكر الناس و رفضهم الكامل لما يحدث من انتهاكات لخصوصيتهم, بالمقابل تطور الحكومات من قدرتها على التجسس في سعي منها للوصول إلى أي شيء تطاله يدها, لدرجة أنها تصرف أموال طائلة فقط لأجل هذا الأمر.

الأمور التي ذكرناها سابقا يمكن أن لاتشمل بعض الأشخاص, فبالرغم من كل الأشياء التي ذكرناها يحب بعض الأشخاص أن يداسوا كالذبابة يعشق البعض أن يعيشوا عبيدا حتى آخر دقيقة في حياتهم, أذكر بأنني قرأت أحد الكتب حول كشف تجسس أحد الحكومات على شعبها وعلى العديد من البلدان وقد قام شخص كان يعمل في الحكومة بتسريب هذه المعلومات وعندما انتشرت هذه التسريبات قابلها الشعب باللامبالات وعدم الاكتراث وبعضهم شدد على محاكمة مسرب المعلومات.. من المؤلم أن يفعل الشعب مثل هاته الأمور, حتى الصحافة التي تملك القدرة على التأثير في الناس وقفت آنذاك مع الحكومة التي مارست التجسس بشكل إجرامي بدون تفويض قانوني وبدون شفافية حتى.

إن حق الناس في أن يكونوا آمنين بأشخاصهم ومنازلهم وأوراقهم, وممتلكاتهم يجب أن لاينتهك ولا يجب أن يعطى أي تفويض إلا بموجب سبب محتمل ويكون مدعوما بقسم أو إقرار, ويصف بالتحديد التهديد الحاصل والدافع وراء هذا. إن الوعي بخطورة المراقبة والتجسس لن يكون متساويا بين جميع الناس, ثمة نظرة خاصة وشرائح متنوعة – صحفيين, ناشطين سياسيين, متتبعين للأخبار – بين أشخاص يشعرون بالنوع نفسه من القلق حيال هذه النزاعات, ولهذا يمكن أن يكون صعبا على شخص لم يكن يشعر حقا بهذا القلق أن يقلد موقف معارضة المراقبة والتجسس بدقة وأصالة .

عندما يصبح المجتمع التقني مستعدا لمواجهة التهديد والإلتزام بتطبيق حلول علمية مبتكرة, وعندما تكف الشركات التكنولوجية وشركات الاتصال والإنترنت عن إعطاء صلاحيات للحكومات من أجل الوصول إلى معلومات زبائنها, وعندما تكف الصحافة عن تبجيل السلطة ويصبح كل فرد من المجتمع واع كل الوعي بما يحصل وبما يجب أن يفعل.. هنا فقط يمكننا القول بأن الخصوصية لن تنتهك
مشاركة

أضف تعليق: